الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية القاضي أحمد الرحموني يشبه النقاش حول مشروع القانون الاساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء بالـ"كوميديا ديلارتي "

نشر في  10 ماي 2015  (10:30)

بقلم احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

خطر ببالى وانا مستغرق في قراءة تقرير لجنة التشريع العام حول مشروع القانون الاساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء نوع من المسرح الشعبي الايطالي يسمى "كوميديا ديلارتي" يتولى فيه الممثل-الذي يظهر ملثما -ارتجال ملهاة متميزة اما بالسذاجة او المكر او البراعة.

ولا ادري لماذا اعتقدت ان احد هذه الاوصاف يمكن ان ينطبق على النقاشات التي دارت حول فصول المشروع المعروض على اللجنة او بعض المسائل الواجب الحاقها به.وقد اكتشفت من خلال وقوفي على توجهات بعض الاعضاء "الملثمين"ان من اهدافهم الرئيسية تتبع كل ماهو قضائي لانه حسب رؤيتهم يكون في الغالب محل ارتياب ويجب لذلك التفكير في اقصائه -فهل تصدقون -وحتى لا اتهم بالتهويل اعرض عليكم مثالين لهذا الارتجال الناشئ اما عن سذاجة او مكر او براعة =

-المثال الاول يتعلق بشروط الترشح للمجلس الاعلى للقضاء من قبل غير القضاة وبالذات مايهم المحامين وقد تبين من نقاش اعضاء اللجنة اختلافهم حول تحديد مدة الاقدمية المستوجبةوقد انتهى الامر الى اتفاقهم على اقدمية في المهنة لا تقل عن 15 سنة. ويبدو الشان الى هذا الحد طبيعيا باستثناء ما اقترحه احد الاعضاء -الذي بقي مجهولا -في باب الشروط الاضافية وهو ضرورة ان لايكون المحامي (وهو في العادة صنف واحد) قد مارس سابقا مهنة القضاء وذلك حتى يكون هناك تناسق مع الدستور لان المستقلين هم من غير القضاة.

ونحمد الله ان اللجنة باغلبية اعضائها لم تتجه الى التنصيص على هذا الشرط. ويظهر ان بعض اعضاء اللجنة من الاقلية يبحثون عن "محام اصيل " غير هجين لخشيتهم ان يحن المحامون - القضاة الى اوضاعهم السابقة فيتحولون الى قضاة غير مستقلين .ولا ادري ان كان لصاحب الاقتراح قائمة مستقلة للمحامين حسب اصولهم او ان ما قاله يدخل في باب الارتجال الكوميدي.

-اما المثال الثاني فيتعلق بالطعن في القرارات الخاصة بالمسارالمهني التي تصدرها المجالس القضائية (العدلي و الاداري والمالي) وقد برزمن جملة الاراء المطروحة اتجاه يعتبر -ولا ادري كيف اهتدى الى ذلك -ان تعهد المحكمة الادارية بالنظر ابتدائيا و استئنافيا بالطعون المتعلقة بذلك يجعلنا (هكذا بالجمع) في دائرة مغلقة وتفسير ذلك ان المجلس الاعلى للقضاء في ثلثيه قضاة يبت في المسار المهني و الطعن يكون امام هيئة قضائية من قضاة و بالتالي يتجه التفكير في لجنة مستقلة تنظر في الطعون او ان يتم تطعيم التركيبة القضائية في المحكمة الادارية بعضوين من المستقلين يعينهم المجلس الاعلى للقضاء من غير الاعضاء المشاركين.

ونحمد الله ثانية على ان النقاش -حسبما ورد بالتقرير -قد افضى الى "عدم الذهاب في تطعيم التركيبة القضائية "التي ستنظر في الطعون بعضوين من غير القضاة و بقاء التركيبة قضائية صرفة.وتورد اللجنة من بين الاسباب التي منعتها من المضي في هذا الطريق ان "لاخوف من المحكمة الادارية التي اتخذت دوما قرارات مشرفة قيل الثورة ".

ولكم ان تتوقفوا عند هذا المثال و تتشوفوا الى معرفة ماذا كان يدور - حقيقة -بذهن صاحب هذا الراي وهل ان رايه ناشئ عن سذاجة او مكر او براعة او شيئ اخر علينا اكتشافه .فطبقا لصياغة الفكرة الواردة بالتقرير فعلى الاعضاء من غير القضاة بالمجلس الاعلى للقضاء ان يخافوا من ان القرارات التي شاركوا في اصدارها سيتولى البت في الطعون الموجهة ضدها قضاة - وكان المحاكم يمكن ان تتشكل من غيرهم - وهو ما يبرر التفكير في احداث هيئة غير قضائية او تطعيم المحكمة الادارية بمستقلين لان القضاة بحكم نظرهم في ملفات القضاة هم غير مستقلين.

وهنا اتساءل هل يمكن ان ينتهي الارتجال الى طرح افكار من هذا القبيل تجسم خلطا فادحا مع غياب اي ادراك لدور الاعضاء من غير القضاة فضلا عن انتفاء اي تمثل لمعنى المؤسسات او الثقة المفترضة في القضاء من جانب نواب الشعب.